الكاتب: حوار: علم الدين عمر |
السبت, 16 تموز/يوليو 2011 16:23 |
كثيرون هم الذين تصنعهم الأحداث، لكن البعض يصنعها، والأحداث كثيرة في تاريخ السودان الشفاهي، الذي ظل حبيساً في صدور الرجال. خلال رحلتي لولاية شمال دارفور ألتقيت العم آدم إبراهيم (صدفة)، ويبلغ من العمر عتياً، لكنه حاضر البديهة، ومتقد الذاكرة، يحترمه الناس لدرجة التبجيل، لأنه تاريخ يمشي على قدمين. العم إبراهيم حافظ على مقعده في كل البرلمانات منذ أربعينات القرن الماضي وإلى برلمان 1986م، الذي حلته الإنقاذ في يونيو 1989م. ساهم العم إبراهيم في صناعة أحداث تاريخية مهمة جعلته (شاهد على العصر):
{ ما هو سر وجودك الدائم في البرلمانات السودانية..؟
ـ سنة 1986م أحرزت أصواتاً غير مسبوقة في تاريخ دارفور وكردفان..!
{ إذن أروي لنا قصتك..؟
ـ هذا تاريخ طويل، (الشئ السويتو في الدنيا دي ما في زول سواه)، من زمن خزان (أم بي سارو)، أتذكر تلك الأيام وقعنا ميثاق مع القذافي، و(الله القذافي بحب دارفور أكثر من بلده)..!
{ علمنا أنك أول من سلك طريق مليط الكفرة الصحراوي إلى ليبيا..؟
ـ بعد إكتشاف البترول في ليبيا، والزحف الصحراوي في دارفور أخرجت تصريح لتصدير الجمال لليبيا سنة 1968م.
{ ما هي أصول الميدوب..؟
ـ جدنا أحمد أبوك المجزوبي، كان ملك مملكة دنقلا الأخير.
{ أنتم (دناقلة)..؟!
ـ تاريخياً دنقلا مقرنا الرئيسي، وجدنا جاء لهذه المنطقة، فيما اتجه الملك يعقوب غرباً، وهو جد القرعان، وحركة النزوح هذه كانت في القرن الثالث عشر..
{ وماذا عن مدينة (المالحة) مقركم الرئيسي الحالي..؟
ـ كانت المالحة أصلاً معقلاً للإبل، وجبل الميدوب كان هو المقر الرئيسي للسكن والتأمين، وكان ذلك سنة 1940م، وحين ذهبت إليها وجدتها معقلاً للإبل، وكان ملك (الصياح) محمد صالح جامع في مقره في (أدرور).
{ ما هي علاقتكم كقبيلة مع الثورة المهدية والإمام المهدي..؟
ـ أباؤنا أنصار، واستشهد جدنا مع الإمام المهدي ومعه أربعين من إخوانه وأبناء عمومته، ومنهم جدنا (أم بدة) الذي سميت عليه المدينة الحالية.
{ يقال أن لأهلكم قصة مع الإمام المهدي..؟
ـ بدأت علاقة الميدوب بالإمام المهدي بعد أن سأل عنهم، قائلاً إنهم نزحوا من الشمالية، فالتحقوا به في الأبيض وناصروه. وجدنا (كورينا) قطع (رأس غردون) عند فتح الخرطوم، خلافاً لما كان يريده المهدي.
{عقب إنقلاب 1989م حُل البرلمان المنتخب في 1986م، أين ذهبت بعدها، وما قصة محاولة كسبك لصالح الإنقاذ..؟
ـ عقب إنقلاب الإنقاذ ذهبت إلى المالحة، فسأل عني الوالي (الطيب سيخة)، وجاء إليّ في المالحة ومعه وزير الطاقة في ذلك الزمن، وأربعة وزراء آخرين، لكني رفضت الإنضمام لتنظيمهم، قلت لهم أنا إسلامي وأنصاري من أجل الوطن.
{ نعود لقصة فتح طريق ليبيا ومجيئك للخرطوم كنائب برلماني..؟
ـ بعد أن فتحت طريق ليبيا ذهبت للخرطوم عضواً في البرلمان حتى أحداث المرتزقة في سنة 1976م حين ضربت الخرطوم.
{ يقال أن علاقتك بالرئيس نميري كانت ممتازة حتى أحداث 1976م..!
ـ كنت على علاقة طيبة مع النميري، إذ كنت ضمن عشرة برلمانيين أيدوا قوانين الشريعة الإسلامية.
{ ما الذي حدث بعد ذلك..؟
ـ تسارعت الاحداث، فعقب دخول القوة الغازية أو الفاتحة للخرطوم، كان هناك قتلى كثر تلك الأيام، وكان أبو القاسم محمد إبراهيم وراء ذلك.
{ هنا قاطعه معتمد محلية الكومة قائلاً:
ـ أبو القاسم الأكلت (معاهو قبيل ده)..؟!
وكان أبو القاسم مشاركاً في تخريج طلاب عزة السودان 15 بالكومة، بمعية الفريق آدم حامد موسى رئيس مجلس الولايات.
ـ ابو القاسم كان موجود..؟ والله ما عرفتو.. لكن هذا الرجل كان يريد قتلى..!
{ لماذا..؟!
ـ لأن الليبيين ضربوا الخرطوم بعد يومين فقط من توقيعي للبروتوكول معهم.
{ إذا حدثنا عن ذكرياتك في تلك الأيام وحقيقة ما جرى..؟
ـ كانت تلك الأيام عصيبة.. كنت عضواً في مجلس الشعب، لهذا كان الناس يأتون إليّ، للسؤال عما يجري، وكان الإسلاميين والأنصار منتشرين بكثافة في مناطق شمبات والكبري والإذاعة وغيرها..
{ بعد ذلك ما الذي حدث..؟
ـ بعد 72 ساعة انسحبوا وانجلت الأحداث، وكنت أول من خرج للشارع، ولم أجد أحد من مجلس قيادة الثورة أو الوزراء، إلاّ المرحوم محمد الباقر أحمد، حتى نميري لم نجده.
{ وكيف قابلكم الباقر..؟
ـ تحدثت مع الباقر وقلت له هناك قتل عشوائي، ويجب أن يكون هناك تحقيق..
{ قلت إن الإعتقالات والإعدامات العشوائية إستهدفت (الميدوب) وقبائل دارفور..؟
ـ بعض الصحف كتبت أن القذافي أرسل الميدوب لغزو الخرطوم، ولذلك خشينا على أنفسنا وأهلنا، ولولا شجاعة الأخ الباقر، لاستمر القتل العشوائي للناس.
{ ماذا فعلت..؟
ـ عملت على (ضمانة) الناس ليخرجوا من السجون، ولم يكن هنالك برلماني واحد غيري كان خارج منزله وقتها، كان هناك حوالي (170) مقبوض عليهم، وكان مقرراً إعدامهم الساعة الثانية، في الساعة الوحد استطعت إخراجهم.
ذهبت للسجن ووجدت رائد (حلبي)، قلت له هؤلاء الناس مجرد عمال ورنيش ومواطنين جاءوا لإستخراج الجنسية، وليسوا مرتزقة، وأنا نائب برلماني جئت لأضمنهم، فرفض رفضا قاطعاً، فأخرجت مسدس (أبو تسعة) ووضعته على رأسه قائلاً: (موت واحد أخير من موت مية وسبعين)، فارتعد من شدة الخوف، وصاح في عساكره: (فكوا ليهو ناسو) فخرجوا لا يلوون على شئ.
{ وماذا حدث معك بعدها..؟
ـ اتهموني بـ(الإرتزاق) مثل الآخرين، فتشوا بيتي ولم يجدوا شيئاً.
{ ألم تنفعك حصانتك البرلمانية..؟
ـ كان (نميري) قد حل البرلمان، ووضعنا تحت الرقابة، ومنعا من الحركة، وقتها كنت أملك ستمائة وخمسين رأس من الإبل، فصادرتها الحكومة، وصادرت معها أغلب (بهائم) الناس في دارفور وكردفان، لاحقاً طالبنا الحكومة ردها، وحتى اللحظة مطالبنا قائمة وحقنا مثبت.
{ كيف تطورت الأحداث بعد ذلك..؟
ـ الشريف حسين الهندي فتح معسكرات للتدريب في ليبيا، لكن الناس رفضوا دخولها، ما سبب مأساة أخرى لأهلنا في دارفور، فعند سفري لليبيا، كان هناك حوالي (مائة ألف) سوداني في السجون الليبية، لأنهم رفضوا الإنضمام لمعسكرات الشريف حسين.
{ وكيف سافرت لليبيا وقلت إنك ممنوع من الحركة..؟
ـ في سنة 1980م سمعت عن ضابط جوازات (زيادي) إسمه إدريس آدم الحاج، طلبت منه إسدائي خدمة، فقال لي لو أن جواز سفرك عند ضابط آخر لصادره، ثم طلب مني الحذر.
حاولت لقاء مدير عام الجوازات، فمنعوني، فأبرزت بطاقة برلمانية قديمة فخاف منها العسكري فأدخلني، طلبت منه تأشيرة، صمت مدة ـ وأظنه خجل مني ـ ونادى عقيد وكلفه بمنحي التأشيرة.
اشتريت تذكرة بدون اسم من الخطوط الليبية، عرفت أن السلطات احتجزت الكثيرين، لكني موهت عليهم لعدم وجود إسم على تذكرتي، وحين سألوني نهرتهم فظنوا إني نائب تابع للنظام، ولم أطمئن إلا بعد إقلاع الطائرة.
{ أين ذهبت بعد ذلك؟
- وصلت طرابلس، ثم ذهبت للكفرة، وهناك وجدت أوضاع السودانيين بائسة، بلا عمل وما معهم من إبل تمت مصادرتها وتبلغ أكثر من عشرين ألف رأس.
{ وبعدها..
- حاولت الاتصال بالمسؤولين، ولمدة يوم كامل لم يرد علي أحد، وكنت قد سمعت بأحدهم يدعى العقيد (الريفي)، وهو الحاكم العسكري للمنطقة من الكفرة حتى تشاد، سألت عنه وذهبت إليه في المعسكر.
{هل كنت بمفردك..؟
- منعت الجميع من مرافقتي لخطورة ذلك المشوار، وحين وصلت للمعسكر، العسكر عاملوني بفظاظة وهددوني، ومن حسن حظي رأيت الريفي قادما نحونا، فرفعت صوتي في الحديث معهم، فطلب منهم السماح لي بالدخول، عرفته بنفسي كعضو في البرلمان السوداني، وأحد مؤسسي الإتحاد الإشتراكي، قلت له إنني لست من جماعة نميري، بل منتخب من الشعب، وجئت من أجل الإبل والأهالي، حدثته عن تاريخ أهلنا الميدوب في سنة 1940م، حين ضربت إيطاليا ليبيا ـ كنت حاضراً ـ حين جمع ملك (الصياح) 500 خروفاً و50 ثوراً لدعم الثوار من القبيلة لتحرير ليبيا من الصحراء حتى الكفرة، وقلت نحن لدينا أربعين شهيداً في هذه المعركة، ساهموا في تحرير الكفرة وعين جالو وبنغازي حتى طرابلس، وإنكم أعلنتم عن جماهيرية، فكيف تقومون بمثل هذا العمل، تأثر الرجل بحديثي جدا، واصطحبني معه إلى منزله، وفي اليوم الثاني ذهبت معه حتى تشاد، فقلت له لا يمكنني أن أرتاح في وجودي معك، وأهلي منكوبين في أنفسهم وأموالهم، وطلبت منه توجيهي لأي شخص ينوب عنه إن كان مشغولاً، فقال لي إن صاحب القرار هو العقيد القذافي، ولا أحد يستطيع التدخل في هذا الأمر غيره، وكل أعضاء مجلس الثورة بما فيهم عبد السلام جلود وأبوبكر يونس لا يستطيعون حلها.
وقال لي إن المدخل الوحيد للقذافي هو خاله، وهو عقيد في سرت، إذا اقتنع بقضيتك حُلت، واذا لم يقتنع (سيصفيك)، فطلبت منه أن يكتب لي مذكرة لهذا العقيد، فصاح (لا إله إلاّ الله أنت تريده أن يقتلني)، ثم قال لي سنعطيه تقريراً بالتلفون عن حضورك ونعطيه إسمك، وطلب مني أن أطلب الإفراج عن البهائم والأموال في البنوك وبقية المشاكل معنونة للعقيد القذافي.
{ كيف سارت الأمور بعد ذلك..؟
حين وصلت البوابة أوقفوني فذكرت، إسمه فادخلوني واتصلوا به، فأرسل ضابطاً كبيراً وأعطاني مواعيد بعد يومين الساعة 8 صباحاً، فقابلته وشرحت له الأمر، فطلب مني أن اذهب للبنوك، على أن يتابع هو الموضوع، فرفضت وقلت له أنا سوداني والشريف حسين سوداني، ولابد أن أقابله واشرح له الأمر، فخشى هذا الضابط أن يخبر العقيد بما أريد، ذهبت إليه، وانتظرت لساعات، كان رجلا قاسيا جدا سألني بحزم عن وادي سيدنا والمعسكرات فقلت له أنا برلماني تشريعي ولا أعرف شيئا عن هذه الأشياء، فغضب وهددني حتى خشيت أن يقتلني، فلما هدأ قليلا سألني عما أريد، فأوضحت له الأمر، وقلت أن مائة الف سوداني في أوضاع صعبة في الطريق، وانتقدت مجمل التجربة الديمقراطية السودانية، واستغلالها للمصالح الحزبية والشخصية، وسألته هل سيحرر هؤلاء المساجين السودانيين من السجن..؟!
في النهاية اقتنع بحديثي، واتفق معي على ضرورة تحريرهم، وقال لي بالحرف: (الشريف والصادق تسلموا منا تذاكر سفر لو وجهت بشكل صحيح، لتحرر السودان، فقد أعطينا جبهتهم أكثر من سبعمائة مليون دولار، وطلب مني بعدها تأسيس الحركة ولم أستطع الرفض لانه كان سيقتلني، فاتفقنا.
{ على أي أساس..؟
- قال لي سنخرج الناس من السجون والسفير التونسي يمثل السودان، ونفرج عن الأموال وتكونوا مسؤولين عن هذا الأمر.
{ وحدك..؟
- بعد ذلك نشرت الأمر في كردفان ودارفور وعملت لجنة.
{ومن كان معك من السودانيين في ليبيا..؟
- قلت لهم إن التأسيس يحتاج لعلم، ومن ناسنا متعلم، وقتها كان عبد الله زكريا موجود في طرابلس فقلت هو رجل متعلم، فعينته أمينا عاماً، ففرح جداً حتى رقص..
{ هل هي حركة اللجان الثورية نفسها..؟
- لا.. كان إسمها الجبهة الشعبية الإشتراكية السودانية، ولم يدخل أحد في اللجان الثورية إلاّ بعد أن ذهبت..
{ هل استمر تنسيقكم بعد ذلك مع خال القذافي..؟
ـ لا، العقيد لم يستمر معنا، أحضروا لنا أبوبكر يونس للإشراف، وطرحوا فكرة استخدام الدبابات والطائرات للإطاحة بالنظام، فرفضت وقلت لهم البندقية ليست لغة ونستطيع الإطاحة به من خلال التوعية السياسية خلال سنتين أو ثلاثة، قلت لهم أن العسكر (70%) منهم من غرب السودان، وهم ينفذون التعليمات وسيموتون بسلاحنا نحن أهلهم، وأمريكا ستدعم نميري مثلما دعمتمونا.
{ وفي النهاية
- اقتنعوا بكلامي وأعطوني عمارة من أربعة طوابق إسمها (الكونغرس)، وتم إعتماد الحركة، وأغلق مكتب الشريف حسين، وحين سمع بذلك ناداني وطلب مني الإتفاق فرفضت، وبعدها مباشرة ذهب لليونان حتى توفى هناك.
{ من أين بدأتم؟
- بدأنا أولاً بإفراغ السجون، واتصلنا بالسفير التونسي ليمثل الخرطوم في مفاوضات فتح الطريق، وذهبنا لإجدابيا وهناك وقعنا الإتفاقية، وأذكر أن مائة عربة هبت في اليوم الأول وخرج الناس وفتحت البنوك، وتم عمل كشف لتسليم البهائم ولم يتم الأمر في هذا الجانب كما هو مطلوب.
{ لماذا..؟
- هناك من سعى لتهريب الأموال عبر البنوك، وتم إعتقال بعضهِم في المطار.
{ هل استلمت أية أموال من القيادة الليبية..؟
- أحضروا لي نقدا (مليون دولار) فرفضت استلامها، أو وضع يدي عليها، واستلمها الأمين العام لتسيير الأمور.
{ وكيف انتهت هذه القضية؟
- حقنا لا زال موجوداً ومعترفاً به من الحكومة الليبية، وقبل إندلاع الأحداث الأخيرة وصلني (تلغراف) من ليبيا للحضور، وفعلا شرعت في ترتيبات ذلك، وبعت بعض الابل من أجل المصاريف، ولكن قدر الله ألاّ أذهب لأن ليبيا اشتعلت.
{ وقبل أن أكمل حواري مع العم آدم استدعته سكرتارية والي شمال دارفور للدخول على الوالي، وذهبت مباشرة للمطار للعودة للخرطوم فقال لي: (على وعد بالإكمال)..!
ـ سنة 1986م أحرزت أصواتاً غير مسبوقة في تاريخ دارفور وكردفان..!
{ إذن أروي لنا قصتك..؟
ـ هذا تاريخ طويل، (الشئ السويتو في الدنيا دي ما في زول سواه)، من زمن خزان (أم بي سارو)، أتذكر تلك الأيام وقعنا ميثاق مع القذافي، و(الله القذافي بحب دارفور أكثر من بلده)..!
{ علمنا أنك أول من سلك طريق مليط الكفرة الصحراوي إلى ليبيا..؟
ـ بعد إكتشاف البترول في ليبيا، والزحف الصحراوي في دارفور أخرجت تصريح لتصدير الجمال لليبيا سنة 1968م.
{ ما هي أصول الميدوب..؟
ـ جدنا أحمد أبوك المجزوبي، كان ملك مملكة دنقلا الأخير.
{ أنتم (دناقلة)..؟!
ـ تاريخياً دنقلا مقرنا الرئيسي، وجدنا جاء لهذه المنطقة، فيما اتجه الملك يعقوب غرباً، وهو جد القرعان، وحركة النزوح هذه كانت في القرن الثالث عشر..
{ وماذا عن مدينة (المالحة) مقركم الرئيسي الحالي..؟
ـ كانت المالحة أصلاً معقلاً للإبل، وجبل الميدوب كان هو المقر الرئيسي للسكن والتأمين، وكان ذلك سنة 1940م، وحين ذهبت إليها وجدتها معقلاً للإبل، وكان ملك (الصياح) محمد صالح جامع في مقره في (أدرور).
{ ما هي علاقتكم كقبيلة مع الثورة المهدية والإمام المهدي..؟
ـ أباؤنا أنصار، واستشهد جدنا مع الإمام المهدي ومعه أربعين من إخوانه وأبناء عمومته، ومنهم جدنا (أم بدة) الذي سميت عليه المدينة الحالية.
{ يقال أن لأهلكم قصة مع الإمام المهدي..؟
ـ بدأت علاقة الميدوب بالإمام المهدي بعد أن سأل عنهم، قائلاً إنهم نزحوا من الشمالية، فالتحقوا به في الأبيض وناصروه. وجدنا (كورينا) قطع (رأس غردون) عند فتح الخرطوم، خلافاً لما كان يريده المهدي.
{عقب إنقلاب 1989م حُل البرلمان المنتخب في 1986م، أين ذهبت بعدها، وما قصة محاولة كسبك لصالح الإنقاذ..؟
ـ عقب إنقلاب الإنقاذ ذهبت إلى المالحة، فسأل عني الوالي (الطيب سيخة)، وجاء إليّ في المالحة ومعه وزير الطاقة في ذلك الزمن، وأربعة وزراء آخرين، لكني رفضت الإنضمام لتنظيمهم، قلت لهم أنا إسلامي وأنصاري من أجل الوطن.
{ نعود لقصة فتح طريق ليبيا ومجيئك للخرطوم كنائب برلماني..؟
ـ بعد أن فتحت طريق ليبيا ذهبت للخرطوم عضواً في البرلمان حتى أحداث المرتزقة في سنة 1976م حين ضربت الخرطوم.
{ يقال أن علاقتك بالرئيس نميري كانت ممتازة حتى أحداث 1976م..!
ـ كنت على علاقة طيبة مع النميري، إذ كنت ضمن عشرة برلمانيين أيدوا قوانين الشريعة الإسلامية.
{ ما الذي حدث بعد ذلك..؟
ـ تسارعت الاحداث، فعقب دخول القوة الغازية أو الفاتحة للخرطوم، كان هناك قتلى كثر تلك الأيام، وكان أبو القاسم محمد إبراهيم وراء ذلك.
{ هنا قاطعه معتمد محلية الكومة قائلاً:
ـ أبو القاسم الأكلت (معاهو قبيل ده)..؟!
وكان أبو القاسم مشاركاً في تخريج طلاب عزة السودان 15 بالكومة، بمعية الفريق آدم حامد موسى رئيس مجلس الولايات.
ـ ابو القاسم كان موجود..؟ والله ما عرفتو.. لكن هذا الرجل كان يريد قتلى..!
{ لماذا..؟!
ـ لأن الليبيين ضربوا الخرطوم بعد يومين فقط من توقيعي للبروتوكول معهم.
{ إذا حدثنا عن ذكرياتك في تلك الأيام وحقيقة ما جرى..؟
ـ كانت تلك الأيام عصيبة.. كنت عضواً في مجلس الشعب، لهذا كان الناس يأتون إليّ، للسؤال عما يجري، وكان الإسلاميين والأنصار منتشرين بكثافة في مناطق شمبات والكبري والإذاعة وغيرها..
{ بعد ذلك ما الذي حدث..؟
ـ بعد 72 ساعة انسحبوا وانجلت الأحداث، وكنت أول من خرج للشارع، ولم أجد أحد من مجلس قيادة الثورة أو الوزراء، إلاّ المرحوم محمد الباقر أحمد، حتى نميري لم نجده.
{ وكيف قابلكم الباقر..؟
ـ تحدثت مع الباقر وقلت له هناك قتل عشوائي، ويجب أن يكون هناك تحقيق..
{ قلت إن الإعتقالات والإعدامات العشوائية إستهدفت (الميدوب) وقبائل دارفور..؟
ـ بعض الصحف كتبت أن القذافي أرسل الميدوب لغزو الخرطوم، ولذلك خشينا على أنفسنا وأهلنا، ولولا شجاعة الأخ الباقر، لاستمر القتل العشوائي للناس.
{ ماذا فعلت..؟
ـ عملت على (ضمانة) الناس ليخرجوا من السجون، ولم يكن هنالك برلماني واحد غيري كان خارج منزله وقتها، كان هناك حوالي (170) مقبوض عليهم، وكان مقرراً إعدامهم الساعة الثانية، في الساعة الوحد استطعت إخراجهم.
ذهبت للسجن ووجدت رائد (حلبي)، قلت له هؤلاء الناس مجرد عمال ورنيش ومواطنين جاءوا لإستخراج الجنسية، وليسوا مرتزقة، وأنا نائب برلماني جئت لأضمنهم، فرفض رفضا قاطعاً، فأخرجت مسدس (أبو تسعة) ووضعته على رأسه قائلاً: (موت واحد أخير من موت مية وسبعين)، فارتعد من شدة الخوف، وصاح في عساكره: (فكوا ليهو ناسو) فخرجوا لا يلوون على شئ.
{ وماذا حدث معك بعدها..؟
ـ اتهموني بـ(الإرتزاق) مثل الآخرين، فتشوا بيتي ولم يجدوا شيئاً.
{ ألم تنفعك حصانتك البرلمانية..؟
ـ كان (نميري) قد حل البرلمان، ووضعنا تحت الرقابة، ومنعا من الحركة، وقتها كنت أملك ستمائة وخمسين رأس من الإبل، فصادرتها الحكومة، وصادرت معها أغلب (بهائم) الناس في دارفور وكردفان، لاحقاً طالبنا الحكومة ردها، وحتى اللحظة مطالبنا قائمة وحقنا مثبت.
{ كيف تطورت الأحداث بعد ذلك..؟
ـ الشريف حسين الهندي فتح معسكرات للتدريب في ليبيا، لكن الناس رفضوا دخولها، ما سبب مأساة أخرى لأهلنا في دارفور، فعند سفري لليبيا، كان هناك حوالي (مائة ألف) سوداني في السجون الليبية، لأنهم رفضوا الإنضمام لمعسكرات الشريف حسين.
{ وكيف سافرت لليبيا وقلت إنك ممنوع من الحركة..؟
ـ في سنة 1980م سمعت عن ضابط جوازات (زيادي) إسمه إدريس آدم الحاج، طلبت منه إسدائي خدمة، فقال لي لو أن جواز سفرك عند ضابط آخر لصادره، ثم طلب مني الحذر.
حاولت لقاء مدير عام الجوازات، فمنعوني، فأبرزت بطاقة برلمانية قديمة فخاف منها العسكري فأدخلني، طلبت منه تأشيرة، صمت مدة ـ وأظنه خجل مني ـ ونادى عقيد وكلفه بمنحي التأشيرة.
اشتريت تذكرة بدون اسم من الخطوط الليبية، عرفت أن السلطات احتجزت الكثيرين، لكني موهت عليهم لعدم وجود إسم على تذكرتي، وحين سألوني نهرتهم فظنوا إني نائب تابع للنظام، ولم أطمئن إلا بعد إقلاع الطائرة.
{ أين ذهبت بعد ذلك؟
- وصلت طرابلس، ثم ذهبت للكفرة، وهناك وجدت أوضاع السودانيين بائسة، بلا عمل وما معهم من إبل تمت مصادرتها وتبلغ أكثر من عشرين ألف رأس.
{ وبعدها..
- حاولت الاتصال بالمسؤولين، ولمدة يوم كامل لم يرد علي أحد، وكنت قد سمعت بأحدهم يدعى العقيد (الريفي)، وهو الحاكم العسكري للمنطقة من الكفرة حتى تشاد، سألت عنه وذهبت إليه في المعسكر.
{هل كنت بمفردك..؟
- منعت الجميع من مرافقتي لخطورة ذلك المشوار، وحين وصلت للمعسكر، العسكر عاملوني بفظاظة وهددوني، ومن حسن حظي رأيت الريفي قادما نحونا، فرفعت صوتي في الحديث معهم، فطلب منهم السماح لي بالدخول، عرفته بنفسي كعضو في البرلمان السوداني، وأحد مؤسسي الإتحاد الإشتراكي، قلت له إنني لست من جماعة نميري، بل منتخب من الشعب، وجئت من أجل الإبل والأهالي، حدثته عن تاريخ أهلنا الميدوب في سنة 1940م، حين ضربت إيطاليا ليبيا ـ كنت حاضراً ـ حين جمع ملك (الصياح) 500 خروفاً و50 ثوراً لدعم الثوار من القبيلة لتحرير ليبيا من الصحراء حتى الكفرة، وقلت نحن لدينا أربعين شهيداً في هذه المعركة، ساهموا في تحرير الكفرة وعين جالو وبنغازي حتى طرابلس، وإنكم أعلنتم عن جماهيرية، فكيف تقومون بمثل هذا العمل، تأثر الرجل بحديثي جدا، واصطحبني معه إلى منزله، وفي اليوم الثاني ذهبت معه حتى تشاد، فقلت له لا يمكنني أن أرتاح في وجودي معك، وأهلي منكوبين في أنفسهم وأموالهم، وطلبت منه توجيهي لأي شخص ينوب عنه إن كان مشغولاً، فقال لي إن صاحب القرار هو العقيد القذافي، ولا أحد يستطيع التدخل في هذا الأمر غيره، وكل أعضاء مجلس الثورة بما فيهم عبد السلام جلود وأبوبكر يونس لا يستطيعون حلها.
وقال لي إن المدخل الوحيد للقذافي هو خاله، وهو عقيد في سرت، إذا اقتنع بقضيتك حُلت، واذا لم يقتنع (سيصفيك)، فطلبت منه أن يكتب لي مذكرة لهذا العقيد، فصاح (لا إله إلاّ الله أنت تريده أن يقتلني)، ثم قال لي سنعطيه تقريراً بالتلفون عن حضورك ونعطيه إسمك، وطلب مني أن أطلب الإفراج عن البهائم والأموال في البنوك وبقية المشاكل معنونة للعقيد القذافي.
{ كيف سارت الأمور بعد ذلك..؟
حين وصلت البوابة أوقفوني فذكرت، إسمه فادخلوني واتصلوا به، فأرسل ضابطاً كبيراً وأعطاني مواعيد بعد يومين الساعة 8 صباحاً، فقابلته وشرحت له الأمر، فطلب مني أن اذهب للبنوك، على أن يتابع هو الموضوع، فرفضت وقلت له أنا سوداني والشريف حسين سوداني، ولابد أن أقابله واشرح له الأمر، فخشى هذا الضابط أن يخبر العقيد بما أريد، ذهبت إليه، وانتظرت لساعات، كان رجلا قاسيا جدا سألني بحزم عن وادي سيدنا والمعسكرات فقلت له أنا برلماني تشريعي ولا أعرف شيئا عن هذه الأشياء، فغضب وهددني حتى خشيت أن يقتلني، فلما هدأ قليلا سألني عما أريد، فأوضحت له الأمر، وقلت أن مائة الف سوداني في أوضاع صعبة في الطريق، وانتقدت مجمل التجربة الديمقراطية السودانية، واستغلالها للمصالح الحزبية والشخصية، وسألته هل سيحرر هؤلاء المساجين السودانيين من السجن..؟!
في النهاية اقتنع بحديثي، واتفق معي على ضرورة تحريرهم، وقال لي بالحرف: (الشريف والصادق تسلموا منا تذاكر سفر لو وجهت بشكل صحيح، لتحرر السودان، فقد أعطينا جبهتهم أكثر من سبعمائة مليون دولار، وطلب مني بعدها تأسيس الحركة ولم أستطع الرفض لانه كان سيقتلني، فاتفقنا.
{ على أي أساس..؟
- قال لي سنخرج الناس من السجون والسفير التونسي يمثل السودان، ونفرج عن الأموال وتكونوا مسؤولين عن هذا الأمر.
{ وحدك..؟
- بعد ذلك نشرت الأمر في كردفان ودارفور وعملت لجنة.
{ومن كان معك من السودانيين في ليبيا..؟
- قلت لهم إن التأسيس يحتاج لعلم، ومن ناسنا متعلم، وقتها كان عبد الله زكريا موجود في طرابلس فقلت هو رجل متعلم، فعينته أمينا عاماً، ففرح جداً حتى رقص..
{ هل هي حركة اللجان الثورية نفسها..؟
- لا.. كان إسمها الجبهة الشعبية الإشتراكية السودانية، ولم يدخل أحد في اللجان الثورية إلاّ بعد أن ذهبت..
{ هل استمر تنسيقكم بعد ذلك مع خال القذافي..؟
ـ لا، العقيد لم يستمر معنا، أحضروا لنا أبوبكر يونس للإشراف، وطرحوا فكرة استخدام الدبابات والطائرات للإطاحة بالنظام، فرفضت وقلت لهم البندقية ليست لغة ونستطيع الإطاحة به من خلال التوعية السياسية خلال سنتين أو ثلاثة، قلت لهم أن العسكر (70%) منهم من غرب السودان، وهم ينفذون التعليمات وسيموتون بسلاحنا نحن أهلهم، وأمريكا ستدعم نميري مثلما دعمتمونا.
{ وفي النهاية
- اقتنعوا بكلامي وأعطوني عمارة من أربعة طوابق إسمها (الكونغرس)، وتم إعتماد الحركة، وأغلق مكتب الشريف حسين، وحين سمع بذلك ناداني وطلب مني الإتفاق فرفضت، وبعدها مباشرة ذهب لليونان حتى توفى هناك.
{ من أين بدأتم؟
- بدأنا أولاً بإفراغ السجون، واتصلنا بالسفير التونسي ليمثل الخرطوم في مفاوضات فتح الطريق، وذهبنا لإجدابيا وهناك وقعنا الإتفاقية، وأذكر أن مائة عربة هبت في اليوم الأول وخرج الناس وفتحت البنوك، وتم عمل كشف لتسليم البهائم ولم يتم الأمر في هذا الجانب كما هو مطلوب.
{ لماذا..؟
- هناك من سعى لتهريب الأموال عبر البنوك، وتم إعتقال بعضهِم في المطار.
{ هل استلمت أية أموال من القيادة الليبية..؟
- أحضروا لي نقدا (مليون دولار) فرفضت استلامها، أو وضع يدي عليها، واستلمها الأمين العام لتسيير الأمور.
{ وكيف انتهت هذه القضية؟
- حقنا لا زال موجوداً ومعترفاً به من الحكومة الليبية، وقبل إندلاع الأحداث الأخيرة وصلني (تلغراف) من ليبيا للحضور، وفعلا شرعت في ترتيبات ذلك، وبعت بعض الابل من أجل المصاريف، ولكن قدر الله ألاّ أذهب لأن ليبيا اشتعلت.
{ وقبل أن أكمل حواري مع العم آدم استدعته سكرتارية والي شمال دارفور للدخول على الوالي، وذهبت مباشرة للمطار للعودة للخرطوم فقال لي: (على وعد بالإكمال)..!
الثلاثاء يونيو 21, 2016 5:43 pm من طرف مالك ادم
» لماذا نكتب ؟! ولماذا لا يكتبون
الثلاثاء يونيو 21, 2016 5:26 pm من طرف مالك ادم
» Inrtoduction to Midob Tribe
الخميس أكتوبر 23, 2014 9:10 am من طرف Rashid Abdelrhman Ali
» الشباب والنوع الاجتماعى
الأحد مايو 25, 2014 3:45 pm من طرف alika hassan
» رئاسة الجمهورية تصدر بيانا حول التناول السالب للقضايا الأمنية والعسكرية والعدلية
الثلاثاء مايو 20, 2014 2:08 pm من طرف مالك ادم
» مفهوم الردة في الإسلام
الإثنين مايو 19, 2014 2:54 pm من طرف مالك ادم
» عيد مبارك عليكم
الجمعة أكتوبر 25, 2013 5:54 am من طرف omeimashigiry
» التحضير للمؤتمر الجامع لقبيلة الميدوب
الأربعاء أكتوبر 16, 2013 1:33 pm من طرف Rashid Abdelrhman Ali
» ماذا يجب أن نفعله في رمضان؟
الأربعاء سبتمبر 11, 2013 11:26 pm من طرف مالك ادم