ازمة دارفور / حسن ساتى ( 3)

وبعد ان شكر الوكيل المساعد لشؤون الاخبار والبرامج السياسية طارق العجمي الكاتب حسن ساتي على المحاضرة فتح باب الحوار الذي شارك فيه عدد من المحررين العاملين في قطاع الاخبار.
س/ السودانيون فى دارفور قد يكون عندهم ضيق شديد من الحكومة بسبب السياسات التى اتبعت ضدهم لسنوات طويلة لكن هل تظل رغبتهم في ان يكونوا كأقليم منتمى للسودان ام يودون الانفصال وسنشهد تكرار سيناريو اتفاقات الجنوب؟
حسن ساتى:
عندما فكر جعفر نميري فى الحكم الاقليمي قسم السودان الى اربع اقاليم فثار أهل دارفور عليه وحاول نظام الانقاذ بعد ان فكك بنيتهم الهيكلية الادارية حاول ايضا ان يضرب ولاءاتهم مع الاحزاب التقليدية بالتالى أننا أمام مفترق طرق وارد فيها السيناريو الذى ذكرتيه لانهم يمكن ان يحاولوا ان يطرحوا الانفصال كحل ووارد ان ينجح الحزبان التقليديان فى اعادة ولائهما هذا احتمال .
فاتنى ان اقول انه كثيرين لم ينتبهوا الى تقرير سربته وكالة الانباء الفرنسية فى التسعينات التقرير صادر عن رئيس البروتوكول والمراسم فى الامم المتحدة تقول الامم المتحدة انها تتوقع قدوم ستين دولة جديدة فى الألفية الجديدة فأنا حينما انكفئ وافكر فى هذا الشأن من الستين دولة انا لم اشهد الا اريتريا وتيمور الشرقية وفيه اثنان آخران فأين الثمانية والخمسين فهذا يرشح السيناريو الاسود التى تتحدثين عنه.
مداخلة / اننى لا اوافق على بعض الاطروحات في ما يتعلق بالاسقاط الذي قلت فيه ان اهتمام الاعلام الغربى يعود لوجود مراكز تحفيظ القرآن والاسقاط الخاص بالمصالح النفطية.. نحن نعلم بالتأكيد ماذا حدث فى رواندا وفى كوسوفا وفى سراييفو من مذابح انسانية وما يطلق عليها جوناسايد وكما قلت انها بدأت تشكل عقدة لدى الغرب والأوروبيين ، انا اعتقد شخصيا انهم بدأوا ينتبهوا لحقوق الانسان لان عدم الاهتمام في السابق ادي الى ظهور موجة الارهاب.. واذا كان هناك عملية تفكيك للسودان فالسودان جاهز نتيجة وضع اجتماعى وثورات وحكومة سيئة كما قال تقرير التنمية الانسانى .
غياب عربي..وحضور كبير للكويت
س/ اين الدور العربى في المجازر التى ارتكبت فى دارفور ؟
حسن ساتى:
لم اتناول هذا المحور على الاطلاق من ضمن محاورى ربما يكون تعبير عن حالة يأس ، فإن مؤتمر المانحين فى اوسلو ليس هو اتفاق السلام الاول فى السودان فهناك اتفاق وقع فى 3 مارس 1972 نفس الشيء وسمى باتفاق اديس ابابا هذا الاتفاق انهار بعد عشر سنوات بسبب عاملين عامل داخلى يخص عطاءات نميري وتعاطيه
مع هذه القضية من خرق الاتفاقات واعادة تقسيم الجنوب واعلان تطبيق الشريعة الاسلامية وما الى اخره ، فانشق جون قرنق بكتيبه الى ان اصبح الجيش الشعبى لتحرير السودان يضم ستين الف.
العامل الثانى الذى اسقط اديس ابابا هو غياب العالم العربى عما يجرى فى السودان دولة واحدة فقط هى الكويت دخلت جنوب السودان وانشأت قرية نموذجية من حوالى ستين منزلا .
عندما تضررت الدول الافريقية من ارتفاع اسعار النفط ابان حرب اكتوبر 73 نشأت لجنة سباعية لمساعدة الدول الافريقية من تلك اللجنة السباعية فكروا فى التضامن العربى الافريقي فنشأت فيه قمة واحدة ويتيمة وماتت 1977 فى القاهرة ، فقمة واحدة ولم تنشأ بعدها قمة، وكانت من توصياتها أن يعني العرب بأفريقيا فلم تلتزم بذلك أي دولة عدا الكويت بتلك الإضاءة للقرية النموذجية المعمولة في عاصمة الاقليم الجنوبي جوبا .
فبالتالي حينما تتحدث عن الجانب العربي في هذه القضية أنا أعتقد أنه صب زيتا على النار في قضية دارفور لأنه قضية دارفور حينما تتناولها دولة مثل مصر تتناولها وفي ذهنها قضية المياه فقط وليس بمنظور أوسع وأشمل للتعاطي مع القضية ، حينما يتناولها العقيد القذافي وينشئ لها قمة سرت يتناولها بمفهوم ليبي يتعلق بأمن ليبيا وما يتاخمها من المناطق الجنوبية في تشاد وبالتالي أنت باستمرار أمام نظر قاصر، وأنا من مدرسة سياسية فكرية تعتقد أن الشمول في كل شئ مطلوب يعني إذا حاولت أن تنظر إلى شئ أنظر إلى خمسين عام بدل أن تنظر إلى ستة أشهر أو عامين فقط.
س/ ماهو الدور التي تلعبه منظمة الإتحاد الأفريقي في قضية دارفور؟ و هل تصريح الرئيس السوداني عمر حسن البشير بعدم تسليم أي سوداني لمحكمة الجزاء الدولية يعد إعترافا رسميا بالمذابح المرتكبة في دارفور ؟ و ما مدى تدخل وتأثير نظرية المؤامرة فيما يحدث في دارفور ؟
حسن ساتي :
ماذا نفعل من منظمة الوحدة الأفريقية إلى الاتحاد الأفريقي ويطرح أن يكون إتحاد الأمم الافريقية هذا كلام فيه إفتراء كبير على الواقع وعلى مسار التاريخ أيضاً ، المشاريع الكبيرة لا تصنع بالطموح ولا بالأحلام وهو بناء ورقى.
فالإتحاد الأفريقي حينما آلت إليه قضية جنوب السودان تعاطى مع إقليم في مساحة فرنسا بـ 238 عنصر ماذا يفعلوا في إقليم ليحرسوا أو ليراقبوا هذا عبث ، عندما تتحدث عن حفظ السلام لدينا 190 دولة لا اعتقد أي دولة منهم لديها ميراث في حفظ السلام ومعرفة طرقه.
الإتحاد الأفريقي لم يتعامل مع القضية بالجدية المطلوبة ومن هنا شاهدنا قرار 1593 وهو في إعتقادي حرر شهادة وفاة مبدئية لجهود الاتحاد الأفريقي.
بالنسبة لما قاله البشير لايعد اعتراف ولكني اعتبرها نوع من ممارسة فن العلاقات العامة لأن هذا القرار لو أخذ تحت الفصل السابع فيعني أن عدم التطبيق سيقود إلى قرارات أخرى فبالتالي تكون أنت قد عقدت القضية .
نظرية المؤامرة المبحث فيها يطول وأنا شخصياً أعتقد بوجودها لكن دعنا نكون منصفين ولا نقول إن كل التاريخ عبارة عن مؤامرات، لكن هناك منعطفات كثيرة جداً كانت المؤامرة أحد السياقات التي أفرزت أحداثاً بعينها أو التي صعدت من وتيرة أحداث بعينها .
س/ في حال استمرار رفض الحكومة السودانية لتسليم مرتكبي الجرائم في دارفور إلى محكمة لاهاي ما هي الخيارات المتاحة أمام المجتمع الدولي أمام هذا الرفض ؟
حسن ساتي:
القراءات المتفرقة تقول إنه حتى إذا رأت محكمة العدل الدولية أن العبء ثقيل وان 51 متهم كل إتهاماتهم ليست بنفس الثقل من حقها أن تنتقي رموز لتحاكمهم وتترك لأي شكل من أشكال المعالجات الأخرى أن يأخذ مجراه في الخرطوم بقضاء سوداني، لكن بعد أن يتم الاتفاق عليه، وليسمح لك مجلس الأمن بعد إصدار قراره هذا بأن تحاكم مواطنين داخلياً لابد أن يتوفر لديك عنصرين متزامنين لا فكاك بينهما ، الرغبة والقدرة أن تكون قادراً على محاكمة هؤلاء المتهمين لذلك لاحظنا تصريحات الصادق المهدي اليوم الذي كان يحاول أن يشكك في قدرة القضاء السوداني على إدارة هذه المحاكمات بإعتبار أنه قضاء مسيس .
س/
- هل الحكومة السودانية لاتستطيع السيطرة على العمليات التي يقوم بها الجنجويد ؟
- لماذا لانرى طرح سياسي واضح لقيادات دارفور كالتي تملكها حركة جون قرنق، في حين لانسمع منها الا دعوات للانفصال والتصادم؟
- بناءا على الجنجويد هل فعلا الشخصية العربية في السودان أصبحت دمويه؟
حسن ساتي :
الجنجويد من صنع الحكومة السودانية ولكن في السياسة دائما قد تصنع شئ وفي مرحلة ما يفلت من يدك، ولم يكون السودان هو الاستثناء الوحيد هنا ، كثيرون لا يعرفون أن طالبان صنيعة باكستانية صرفة ، يعني إلى أن الملا عمر لا يعرف حتى
قصر الرئاسة في كابول، كان قائد المخابرات الباكستاني هو الذي يقول له تفضل هذا
مكتبك لكن دارت الدوائر وإذا بطالبان تتحول إلى شوكة في خاصرة باكستان نفسها وإلى الآن الباكستان تدفع الفواتير ، المثال الثاني إسرائيل ، إسرائيل في 82 فكرت أن تطرد منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان وبدأ غزو لبنان بهذا المسمى وطردت المنظمة فماذا حدث الذي حدث أن الطبيعة لا تقبل الفراغ فلابد أن ينشأ نضال ما بشكل ما لان هذه قضية جوهرية خطيرة وقضية حقوق وقضية متجذرة في وجدان الأمة العربية والإسلامية كلها فنشأ حزب الله وإتضح إنه أشرس من منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل تعترف بهذا الخطأ التكتيكي.
الجنجويد صنعتهم الحكومة في المنعطف الذي حاولت أن تجيش العناصر العربية الإسلامية لتحارب لها في جنوب السودان فأكسبتها خبرة قتالية ومن ثم خرج الجنجويد من قبضة الحكومة تماماً ،وليس ذلك فحسب هم الان مستعدين أن ينازلوا الحكومة وهذه مرحلة ستشهدونها يوما عندما تأتي أنباء عن صدامات أخرى في دارفور بين القوات السودانية والى آخره .
اما بخصوص الشخصية العربية فهذا غير صحيح أنا قلت ان اسوأ ما في الإعلام الغربي تحويل القضية بين عرب وأفارقة، ليست كذلك دارفور ،فهم أناس تجمع بينهم مصاهرات وزيجات وحتى التمايز الديني والثقافي فيه ليس بتلك الفوارق الموجودة في مناطق أخرى في السودان .
س/ هل بروز أزمة دارفور في الاعلام الغربي بقوة كبيرة خصوصا بعد اتفاقيات نيفاشا بين الحركة الشعبية لتحرير السودان وحكومة الخرطوم يعتبر أداة ضغط على الحكومة السودانية لاعطاء فرص أكثر لحركة الانفصال في الجنوب .
حسن ساتي:
هي قضية على المستوى الإنساني هناك مليونين هجروا ورحلوا وعانوا ما عانوا من إنتهاكات حقوق الإنسان وتجاوزات مثبته وإلا ما صدرت هذه القائمة من الـ 51، والتساؤل هنا إذا كانت هناك نزاعات مماثلة في افريقيا فلما هذه تحديداً التي هاجرت إلى مجلس الأمن وهنا يمكن أن تشتم أنت بعض الفسيفساء للأشياء بالنسبة لنا فليكن ذلك وارداً لكن القضية كقضية موجودة حتى لو كان هناك ممارسة ضغوط على الحكومة.
خلاصة القول أن دارفور هي قضية ذات وجهين هي قضية من جهة تستحق أن يتعاطى معها المجتمع الدولي وباعتبار أنها قضية إنسانية هي في الوجه الآخر تحمل تعقيدات سياسية غير مرئية سيكشفها المستقبل القريب .
س/ بما أن الدول العربية تنظر إلى قضية دارفور من خلال مصلحتها الخاصة باستثناء الكويت وكذلك هي النظرة الاوربية والامريكية لدارفور، فهل تعتقد إن قرار مجلس الأمن الدولي ينظر نظرة شمولية لدارفور ؟ ومع من تكمن مصلحة دارفور ؟
حسن ساتي:
الثقة بين ضفتي الأطلنطي منذ حرب العراق كانت واسعة جداً فبدأت هذه الثقة تردم شيئاً فشيئاً عبر الملف الإيراني ثم عبر الانتخابات الفلسطينية وعبر إحياء خارطة الطريق وبدأ التقارب ثم جئنا إلى قضية دارفور وتقدمت فرنسا بالقرار الذي فاز بــ11 صوت وامتناع 4 اصوات، يعني من غير معارضة، فتشعر إن هناك إئتلاف ما حول هذا المشروع، وفي تقديري اننا أمام نظام عالمي، فنحن في مرحلة مخاض، مخاض المحافظين الجدد أمام نظام عالمي جديد وانا اعتقد ان نموذج سوريا ونموذج السودان هما الحلقة المقبلة .
ان آليات العمل العربي أمام قضية دارفور شبه عاجزة ومشلولة، هناك نظام عالمي جديد يتشكل، دورنا فيه مغيب ليس لأن الآخر يغيبنا لكن لأننا نحن نغيب أنفسنا .

*********************